المقالات
زوجة الأب: ظالمة أم مظلومة؟
Whatsapp
Facebook Share

زوجة الأب: ظالمة أم مظلومة؟

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

هنالك ميل لدى البشر إلى تكوين تصور عن كل شيء يعممونه على كل أفراده كي يرتاحوا من الغموض كلما فكروا بهذا الشيء، وهذا ينطبق على الصورة النمطية التي يكونها الإنسان عن جنسية أخرى مثلاً أوعن أتباع دين آخر، أو عن أبناء عرق آخر، أو حتى عن الجنس الآخر (النساء والرجال). والنظر إلى فئة من الناس على أنهم كلهم يتصفون بصفات واحدة نوع من التبسيط الذي يؤدي إلى تكوين أفكار سيئة عن الآخرين والاعتقاد أنهم جميعا فيهم هذه الصفات الكريهة، وبالتالي تؤدي إلى التمييز العنصري في كثير من الأحيان. والصورة التي في عقول الجميع عن زوجة الأب أنها دائما امرأة شريرة قاسية القلب وظالمة لا ترحم أولاد زوجها وتفعل كل شيء لإيذائهم وحرمانهم من حقوقهم، وقصة ساندريلا مع زوجة أبيها ترسخ هذه الصورة النمطية في أذهان الناس منذ طفولتهم. والحق يقال أن هذه الصورة عن زوجة الأب صحيحة في بعض الحالات وتنطبق على بعض زوجات الأب انطباقا تاما لكن الحق أيضا أن الكثير من زوجات الأب لسْنَ كذلك أبداً، بل هن عادلات رحيمات مع أولا د أزواجهن، ومنهن المحبات لأولاد الزوج اللاتي يعوضن الطفل عن حنان أمه المفقود، بحيث تكون حياته معهن خيراً له من حياته مع أم مهملة أو غير ودودة أولا تحب إلا نفسها.

 

والسبب في وجود زوجات أب يبخلن بالحب على أطفال أزواجهن أو يعاملنهم بقسوة وظلم، هو نسيان الناس لمفهوم الحب في الله، حيث يحب الإنسان بلا مصلحة ولا قرابة. لقد غاب هذا الحب الذي جعله الله من أعظم العبادات، غاب من حياتنا إلى حد أن الناس يستغربون أن تحب زوجة الأب أطفال زوجها، ويعجبون كيف تحبهم وهم ليسوا أطفالها، بل كيف تحبهم وهم أطفال ضرتها التي كانت في يوم من الأيام تسكن قلب زوجها ومنزله، فلا زوجة الأب تتوقع من نفسها أن تحب أطفاله من قلبها ولا الذين من حولها يتوقعون منها ذلك، بل هم يتوقعون منها ولو القليل من الكراهية لهم.. وللتوقعات هذه أثر كبير في سلوك البشر، لذا لا تفكر زوجة الأب في أن تحب أطفال زوجها أو أن ترى فيهم من الأشياء الجميلة ما يجعلها تحبهم.

 

وللتوقعات السلبية أثرها أيضا في موقف أولاد الزوج - وبخاصة إن كانوا كباراً - من زوجة أبيهم، حيث لا يتوقع أحد منهم أن يحبوها، بل قد ينكر عليهم من يلمس منهم حباً لزوجة أبيهم ويلومهم على ذلك، لأنه يرى حبهم لها خيانة لأمهم، كأن الأصل أن زوجة الأب معتدية على الأم وظالمة لها، وعلى الأولاد أن ينحازوا إلى أمهم في هذه الحرب التي خطفت فيها زوجة أبيهم أباهم منهم ومن أمهم، وهذا يجعل أولاد الزوج لا يحاولون أبدا محبة زوجة أبيهم، ويجعلهم يتشككون في نواياها إن هي حاولت التقرب منهم وإنشاء علاقة طيبة معهم، ولا يرون في ذلك محاولة صادقة منها للمحبة بل مكراً وخداعاً.

 

وبما أن سوء الظن واقع من الطرفين، فإن التفاعل اليومي بين زوجة الأب وأولاد زوجها يولد الكراهية والعداء، ويقضي على أية فرصة لنشوء الحب بين الطرفين، وغالبا هنالك من يغذي هذه الكراهية، كأن تقوم أم الأولاد بشحنهم ضد زوجة أبيهم أو يقوم بذلك أهلها. الطفل ينقاد عادة للكبار الذين عرفهم ووثق بهم قبل زوجة أبيه، فيصبح معانداً أو متحدياً أو حتى وقحاً مع زوجة أبيه، وقد يتعمد إيذاءها أو تخريب أشيائها، وما لم تستوعبه زوجة الأب استيعاب الكبير العاقل للصغير البريء المخدوع، فإن حرباً حقيقية تقع بين الطرفين، والخاسر الأكبر فيها دائماً هو الطفل، لأنه الطرف الأضعف، ولأنه في الأصل في حاجة ماسة لحب هذه المرأة وحنانها ورحمتها؛ وعندما تعاديه يحرم من ذلك كله، بينما أمه التي ولدته لا تفكر في احتياجاته هذه ولا تفكر إلا في حقدها على التي حلت محلها، وترى أي حب من أولادها لزوجة أبيهم هزيمة جديدة لها، لأنها تعتبر ذلك دليلاً على أن المرأة الأخرى نجحت في سرقة أطفالها منها كما سرقت منها زوجها، أنانية على حساب الأطفال وضيق أفق.

 

لكن زوجة الأب قد تكون هي المخطئة، وبخاصة عندما تغار من أولاد زوجها كما تغار من أمهم، لأنها تراهم نواباً عن أمهم، ولأنها تراهم منافسين لها على اهتمام زوجها بها وحبه لها، ومشاركين لها ولأولادها من أبيهم في ماله وحبه، وتنسى أنها تزوجت رجلاً له أولاد من قبل، وأن العدل يقتضي ألا يعتدي طرف على ما قسمه الله للطرف الآخر من الخير، وأن يقبل الإنسان بما قسمه الله له، حتى لو كان هنالك من لديه أكثر منه. وزوجة الأب التي تقع في ظلم أولاد زوجها لهذه الأسباب، مشكلتها إيمانية وأخلاقية أكثر منها نفسية، لأن هذا نوع من الحسد والعدوان واستقواء القوي على الضعيف. أما المؤمنة الواثقة من نفسها، العادلة والرحيمة، ترى في هؤلاء الأطفال الذين حرمتهم الأقدار نعمة الحياة بين أمهم وأبيهم، ترى فيهم مخلوقات ضعيفة مسكينة، وتراهم أمانة عندها، ووسيلة لها للتقرب إلى الله، فقد أخبرنا النبي ﷺ أن امرأة مومساً من بني إسرائيل، غفر الله ذنوبها كلها لأنها رحمت كلباً عطشاناً فسقته شربة ماء واحدة، فكيف بالتي تسقي اطفالاً من بني آدم الذين كرمهم الله على جميع مخلوقاته، تسقيهم الماء وتسقيهم الحنان والحب؟ ألن يغفر الله لها ويرفع درجتها في الجنة؟ ثم إن كانت المرأة تحب زوجها حباً حقيقياً فلابد أن تحب أولاده لحبها له، أما إن فكرت بمشاركتهم لها في ماله وحبه، فذلك يعني أنها لا تحبه، بل تراه شيئاً مهماً لها تريد امتلاكه والاستفادة منه وحدها. والذي يجب أن ننتبه إليه جميعنا أن الحب بين اثنين لا يحتاج إلى قرابة الدم كي يولد ويكون حبا قويا ودائما، والحب بين الرجل والمرأة أكبر مثال على حب بين اثنين لا قرابة دم بينهما عادة، وكذلك الحب في الله عموماً هو حب خالص ومجرد عن المصلحة أو القرابة وما تقتضيه القرابة من تحيز القريب لقريبه.. والحب بين زوجة الأب وأولاده ممكن كما هو الحب بين أي اثنين من البشر، لكنه يحتاج إلى الصبر وعدم الاستعجال. وحتى يتولد الحب بين المرأة وأولاد زوجها عليها في البداية عدم ممارسة أية سلطة عليهم، إنما تعاملهم بلطف واحترام كما لو كانوا أشخاصا كباراً، وتحترم رأيهم ورغباتهم، بينما يقوم الأب بوضع القواعد والقيود والأوامر والعقوبات إن لزم، وتعفى زوجة الأب من ذلك مدة طويلة، ريثما يتكون الحب المتبادل بينها وبينهم؛ وحتى يحبها أطفال زوجها عليها الحذر من أن تجعلهم يشعرون أنها جاءت لتلغي وجود أمهم وآثارها من حياتهم إلغاء كاملاً، كأن تغير روتينهم الذي عودتهم عليه أمهم، بل تتركهم كما اعتادوا ما أمكن، ولا تقول لهم عن أي شيء تفعله لهم أنه افضل مما كانت تفعله أمهم، بل تشعرهم أنها تحترم أمهم وتحترم طريقتها في تربيتهم والعناية بهم، وتمتنع عن انتقاد أمهم امتناعاً كاملاً، وإذا فعلت شيئاً على طريقتها الخاصة كأن تطهو لهم طعاماً لم تكن أمهم تطهوه لهم، فيمكنها أن تقدمه لهم وهي تقول (كلوا مما طبخت لكم وأخبروني هل هو طيب مثل أكل ماما؟) عليها أن لا تنزعج إن كانوا يحبون أمهم ويفتقدونها مهما كانت عيوبها، لأن هذا هو الطبيعي، ولأن الطفل الذي لا يحب أمه قد لا يحب غيرها، والطفل الذي يحب أمه سيحب أي امرأة أخرى تعامله بحب واحترام. وحتى عندما يخطئ أطفال الزوج وتخبر أباهم عن أخطائهم كي يقوم بتربيتهم يجب أن يتم ذلك لا على أنه شكوى وتعمد منها لجلب العقوبة لهم، بل يجب أن يضع الأب وزوجته في حضور الأطفال قانوناً في البيت أن لا شيء يبقى سراً عن الأب أبداً، وأن هذه أوامر الأب، وأن زوجته مثلهم لا تستطيع عصيانه، وهذا يجعلهم لا يغضبون منها إن تعرضوا للوم من أبيهم على سلوك أخبرته به زوجته. ومن جهة الأب عليه أن لا يكون قاسياً معهم عندما تخبره زوجته عن سلوك خاطئ فعلوه، بل يقوم بتوجيههم بلطف حتى لا يكرهونها إن هو عاقبهم بشدة. ثم على زوجة الأب أن تتفهم الصراع النفسي الذي سيمر به هؤلاء الأطفال، حيث كلما بدأوا يشعرون بالحب لها يؤنبهم ضميرهم لأنهم يظنون أن حبهم لها هو خيانة لأمهم، لذا قد يظهرون لها الحب اليوم ثم يفاجئونها بسلوك عدائي غداً، عليها أن تصبر عليهم، فهم أطفال وفي حيرة بين مشاعر الحب لها ومشاعر الولاء لأمهم، وإن هي استمرت في معاملتهم بالحب والرحمة والاحترام، فسيأتي اليوم الذي يغلب حبهم لها أية مشاعر ذنب تجاه أمهم، وبخاصة أنها لا تظهر أمامهم أي عداء لأمهم، ولا تمانع أن يحبوها أو يحبوا ذكراها إن كانت قد ماتت، كما يشاؤون.

 

وبقى تذكير الآباء بمسؤوليتهم عن حماية أطفالهم إن كان اختيارهم للزوجة غير موفقاً وكانت غير ودية معهم، فبدون حمايته لهم يمكن أن يتعرضوا للاضطهاد النفسي والبدني وأحيانا الجنسي، حيث هناك زوجات أب من كرهها لبنات زوجها تتيح الفرصة لأخيها مثلا أن يعتدي جنسيا عليهن.

 

الإنسان إن كان تقياً يفوق الملائكة سمواً، وإن كان بلا قلب، فاق الشياطين في الأذى والظلم والعدوان.

 

ملا حظة:-

متى يستحسن أن يعرف الطفل أن زوجة أبيه هي ليست أمه.......؟

إذا كانت الأم متوفية والطفل في عمر صغير جداً.

تعليقات
العدد الكلي: 1 (20 في الصفحة)
إحسان
منذ: الأربعاء, 09 آذار / مارس 2022 00:32
احسنتم الطرح و التحليل. يا ليت العقول ترقى باصحابها للتفريق بين العام و الخاص، بين الخير و الشر و كذا بين الحب و الكراهية.
رسالة إلى كل رجل و كل امرأة مقبلة على الزواج، اختاروا أمهات ابناءكم قبل أن تختاروا زوجاتكم، و اخترن آباء لابناءكم قبل أن تخترن أزواجكم و لا تنسوا أبدا أن الزواج مودة و رحمة

تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
* كود التحقق
 
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة