المقالات
عندما يصبح الأزواج آباء وتصبح الزوجات أمهات
Whatsapp
Facebook Share

عندما يصبح الأزواج آباء

وتصبح الزوجات أمهات

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

بمجيء الطفل الأوّل يصبح الزّوج أباً وتصبح الزّوجة أُمَّاً، أي يصير كلٍّ منهما والداً، وتنضاف الوالديّة إلى الزّوجيّة لتعطي هذه الزّوجيّة شكلها الجديد المختلف عن شكلها قبل الحمل والولادة.

 

عندما يولد الطفل الأوّل تبتهج نفوس كثيرة، ويرتاح الوالدان من أيّة مخاوف كانت لديهما من قبل وهما ينظران إلى المولود الجديد الّذي جاء ليعطي علاقتهما بعداً جديداً وعمقاً خاصّاً، إذ بمجيئه صار المولود يُشكِّل رابطة تجمعهما إلى الأبد، فحتّى لو فرَّقهما الطلاق يوماً ما، سيبقيان والدين لهذا الطفل، فالقرابة الجديدة لا يلغيها الطلاق.

 

رغم الفرحة والارتياح اللّذان يجلبهما المولود الأوّل إلى الزّوجين وأهلهما والأصدقاء، فإنّ لمجيئه آثاراً كثيرة على الحياة الزّوجيّة قد يكون بعضها سلبيّاً جداً ما لم يتمّ الانتباه لها وتداركها.

 

فقدوم الطفل الأوّل يشكِّل محنة وامتحاناً على الحياة الزّوجيّة أن تجتازه بسلام، ذلك أنّ رعاية إنسان صغير عاجز عن كلِّ شيء إلّا عن البكاء ومصّ ثدي أمّه، رعاية هذا الكائن الضعيف ليست بالأمر السهل ولا بالشيء الممتع دائماً.

 

فالزّوجان اللّذان كانا قادرين على التّمتُّع بأوقات رومانسيّة جميلة سويّةً صارا مرهقين بالأعباء والواجبات، حيث تستنفر الأم تحت الطلب لتلبية نداء طفلها ليل نهار، لإرضاعه أو تنظيفه أو حمله وهدهدته ليسكن ويأنس؛ وحيث يكون نوم هذا الطفل غير منتظم في الشهور الأولى وحاجته إلى الرضاعة والتنظيف متكرّرة، فإنّ الأمّ الجديدة لم تبقَ قادرة على القيام بدور الزّوجة العاشقة، بل هي اليوم تُركِّز كل جهدها واهتمامها على وليدها، تعطيه وقتها، ثمَّ إذا جاء أبوه كان هذا الوليد مادّة حديثها وموضوع الأخبار المفصَّلة الّتي توّد الإفضاء بها إلى زوجها.. ولا غرابة في مثل هذه الحال أن يشعر الزّوج أنّه مُهْمَلٌ من قبل زوجته، وأنّ طفله الأوّل قد جاء وأزاحه عن مركز اهتمامها وتركه على الهامش.

 

أكثر الآباء يتحمَّلون الوضع الجديد الّذي يجدون أنفسهم فيه بعيدين عن مركز اهتمام زوجاتهم، إذْ هم يُقَدِّرون ظروف الأم الجديدة وأعباءها وبخاصّة إن كانت العلاقة بين الزّوجين بالأصل قويّة وحميمة وخالية من المشكلات الكبرى.

 

لكن في بعض الأحيان يؤدِّي التوتر النفسي الّذي يعاني منه الزّوجان في الشّهور الأولى بعد قدوم المولود الأوَّل والّذي تنتجه الضغوط الّتي يسببها قدومه، يؤدِّي هذا التوتر إلى بروز الخلافات الزّوجيّة واشتدادها، وممَّا لاحظَته الدِّراسات أنَّ نسبة الطلاق مرتفعة بعد قدوم الطفل الأوّل، إذ الإنسان بطبعه يتحمَّل الضغوط إلى حد معيَّن، فإن زادت كان لا بدَّ لها من أن تنفجر، وقد تنفجر عند نقاط الضعف في العلاقة بين الزّوجين، وربّما أدّى انفجارها هذا إلى انتهاء الحياة الزّوجيّة بالطلاق.

 

وممّا يجعل قدوم الطفل الأوّل يُشكِّل تحدياً كبيراً للحياة الزّوجيّة أنّه كثيراً ما يكون في نهاية السنة الأولى من الزّواج، وهي نهاية فترة العسل الّتي نادراً جداً ما تطول إلى سنتين، وفي نهاية الطّور الّذي يرى فيه الزّوجان أحدهما الآخر كائناً بلا عيوب، حيث يزول الوهم وتنفتح العينان على عيوب الطرف الآخر، ويصاب كلّ منهما بالخيبة، ويتساءل في نفسه: كيف ربط حياته بهذا الشخص؟، في هذه الفترة بالذّات يأتي الطفل الأوّل ليضيف ضغطاً آخر على الحياة الزّوجيّة، وهنا تبرز أهميّة الالتزام المجسّد بعقد الزّواج ليقوم بحماية هذه الحياة الزّوجيّة من الدّمار، والطفل الأوّل يقوِّي الشّعور بالالتزام بالرباط الزّوجي وبخاصّة لدى الشّعوب الّتي لا تعتبر المتع هي أهم أهداف الحياة، بل ترى في أداء الإنسان للواجبات المتوّقعة منه هدفاً أكبر وأسمى.

 

إذن في المجتمعات المتوّجهة نحو المتعة والّتي ترى أنّ الحياة الزّوجيّة بلا عشق وغرام حياة لا تستحقّ الاستمرار يأتي الطفل الأوّل ليهز الحياة الزّوجيّة هزّة تطيح بها أحياناً، أمّا في المجتمعات الّتي ترى في الحياة الأسريّة وتربية الذريّة الصّالحة هدفاً مقدّماً على متعة الرُّومانسيّة يقوم الطفل الأوَّل بتقوية عنصر الالتزام بالحياة الزَّوجيّة، ممّا يجعلها تجتاز هذه الفترة العصيبة بسلام في الغالب.

 

لكن الغَيْرة من الطفل قد تكون زائدة لدى الزّوج أو لدى الزّوجة، وهذا يعتمد على مقدار النضج النفسي لدى كلٍّ منهما، وعلى مقدار افتتان أحدهما وانشغاله الزائد بالطفل على حساب الزّوج الآخر.

 

وقد يستغرب البعض ويتساءل: هل حقاً يمكن أن تغار أمّ من طفلها أو أن يغار أب من طفله؟ لكن الواقع يقول: نعم، قد يغار الأب من طفله الرضيع وقد تغار الأم من طفلها الّذي حملته في بطنها وولدته بنفسها. وما أكثر ما يسمع بعض الأزواج من زوجاتهم السؤال التالي: "هل تحبّه أكثر مني؟" وهي تقصد طفلهما الرضيع. أمّا غيرة الأب فلا يُعَبِّر عنها عادة بهذا الأسلوب المباشر، إنّما هي كثيراً ما تتجلّى على شكل غضب وثورة لأسباب تافهة لا تستحق الغضب أو الثّورة.

 

وفي حالات نادرة قد يبلغ الأمر حدّ إظهار العداء للطفل والامتناع عن التّعلُق به، وقد حدثتني زوجة شابة مثقفة عن غيرة زوجها من أطفاله، حتّى من الرضيع الصّغير، تلك الغيرة الّتي تتجلّى في مشاعر الكراهية والعداء الّتي يعبِّر عنها نحو أطفاله، وفي أفعال عدوانيّة من مثل وضع يده على رقبة الرّضيع والضغط عليها وجعله يعاني من الإحساس بالاختناق دون أن يبلغ الأمر حدّ القتل. وقد انتهى الأمر بهذا الزّوج إلى أن تزوّج امرأة أخرى تتفرّغ له. بالطّبع هذه صورة متطرِّفة من غيرة الأب من طفله ناتجة بالدّرجة الأولى عن عيب في شخصيّة الأب ونقص في نضجه.

 

وممّا يجعل غيرة الأب مبرّرة أحياناً وقوع الأم في نوع من الافتتان بالمولود ذكراً كان أو أنثى، حيث توجه طاقتها العاطفيّة وكل حبّها له ويصبح المولود كل شيء في حياتها، فإن طالت فترة الافتتان هذه سببت مشاعر الانزعاج الشّديد لدى الزّوج ممّا قد يهدِّد الزّواج تهديداً كبيراً.

 

وينضاف إلى الضغوط الّتي تأتي مع الطفل الأوّل ذلك الحرمان الجنسي الّذي يعاني منه الزّوج بالدرجة الأولى، فمنذ الشهور الأخيرة من الحمل بل منذ بداية الحمل وأعراض الوحام، تقلّ المناسبات الجنسيّة المشبعة للزّوج، لكنّه ينتظر الولادة الّتي يتبعها النّفاس الّذي قد يطول إلى ستة أسابيع أو أكثر حيث الاتصال الجنسي محرّم شرعاً، وخطير على المرأة طبيّاً، فيزداد الزّوج جوعاً على جوع من الناحية الجنسيّة، أمّا الزّوجة بطبيعتها المختلفة كأنثى، وبحكم اهتمامها بالعواطف أكثر من الجنس، ثمّ بحكم شعورها الجديد أنّها الآن أم، وفي حالة الإرهاق الجسدي وقلّة النوم الّذي يسبّبه الاعتناء بالمولود الجديد في الشهور الأولى، هذه الزّوجة تكون أقلّ تلهفاً على اللقاء الجنسي ممّا كانت قبل الحمل والولادة، بينما الزّوج في جوع جنسي شديد، فإن لم تنتبه الزّوجة إلى هذا الواقع الجديد، فتلبِّي رغبة الزّوج وتعطي الزّوج ورغبته فيها من الأهميّة مثل ما تعطي للعناية بطفلها، إن لم تقم بذلك كان الزّواج في خطر بالغ، إذ كثير من حالات الخيانة الزّوجيّة بدأت بعد ولادة الطفل الأوّل أو غيره من الأطفال، حيث لا تهتم المرأة بهذا الجانب من الحياة الزّوجيّة.

 

وممّا يزيد الأمر سوءاً أنّ حوالي 15% من النّساء يُصَبْنَ بالاكتئاب النّفسي بعد الولادة ويستمرّ لديهنَّ شهوراً عديدة وأحياناً سنوات إن لم يُعالج، والاكتئاب النفسي يجعل الزّوجة في مزاج غير مرتاح ويجعلها عصبيّة وفاقدة للاهتمام بالمتع والمباهج، ويضعف شهيتها للطعام والجنس، فتصبح باردة جنسيّاً تَنْفُر من اللقاء الجنسي ولا تتفاعل مع زوجها فيه، وهذا يُفاقم الصّعوبات الّتي تواجهها الحياة الزّوجيّة بعد ولادة طفل، وبخاصّة الطفل الأوّل.

 

ومن جهة أخرى قد تقلّ رغبة بعض الأزواج في زوجاتهم جنسيّاً بعد أن تلد الزّوجة وتصبح أمَّاً، لأنّ الزّوج هنا يفصل ما بين الأمومة والجنس، فلا يرى الزّوجة الأم مناسبة كزوجة عاشقة، وهذا وهم يمكن للزّوجة أن تخلّص زوجها منه عندما تُثبت له بسلوكها أنّها ما زالت الزّوجة العاشقة حتّى لو صار عندها عشرة من الأطفال.

 

إنّ الزّوجة الّتي تهتم بهذا الأمر تحصن زوجها ضد الخطيئة وتحمي نفسها من أن تكتشف لزوجها عشيقة بالحرام أو زوجة ثانية بالحلال.

 

ومن الأمور الّتي قد تولِّد بعض النّفور لدى الزّوج من زوجته من النّاحية الجنسيّة بعد ولادتها أن يكون الزّوج قد حضر الولادة ورأى الحال التي تكون عليها المنطقة التناسليّة أثناء الولادة، لذا فإنّ الأفضل للزّوج إن حضر الولادة ليقدِّم المؤازرة النفسيّة لزوجته في مخاضها، من الأفضل له أن لا ينظر إلى مكان الولادة، فالولادة تسبِّب تبدُّلاً مؤقتاً في ذلك الجزء من جسد المرأة ثمَّ بمرور الأسابيع القليلة يعود كل شيء إلى ما كان عليه قبل الولادة.

 

ومن المشكلات الّتي تواجه الحياة الزّوجيّة بعد ولادة الطفل الأوّل الخلاف حول استمرار الزّوجة في عملها خارج المنزل أو تفرُّغها لتربية المولود تفرُّغاً كاملاً، وهو أمر يحتاج إلى حكمة في تناوله والأفضل هو استباق الأمور بالإعداد لها والتخطيط لها من قبل.

 

لقد ركزتُ على التَّحديات الّتي يضعها الطفل الأوّل أمام الحياة الزّوجيّة دون أن أنسى أنّ المال والبنين زينة الحياة الدنيا، لكن حتّى تتمّ فرحة الزّوجين بطفلهما الأوّل لا بدّ من الانتباه إلى التّحديات والأزمات لتجاوزها بنجاح، فالصّعوبات مؤقتة، والرضيع سرعان ما يكبر، ويعود إلى الحياة الزّوجيّة ما فقدته من نظام واستقرار.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة