المقالات
الوحدة في حياة المرأة
Whatsapp
Facebook Share

الوحدة في حياة المرأة

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

إنَّ الإحساس بالوحدة والعزلة شيء لا بدَّ منه للإنسان في هذه الحياة، ذلك أنَّ الإنسان كائن مستقل عن المخلوقات الأخرى في هذا الكون وله ذاتيته الخاصة، وهذا الانفصال عن باقي الموجودات وإحساس الإنسان باستقلاليته وذاتيته يجعله يحسّ بنفسه ويحسّ بالكون وما فيه كأشياء خارج نفسه، وهذا يولِّد فيه شعوراً بالوحدة والعزلة ملازماً لوجوده، وهذا الشعور يولِّد قلقاً نفسيّاً عميقاً يوصَف بأنَّه "قلق وجودي" لأنَّه ناتج عن الوجود الإنساني في هذه الحياة، ولا راحة من هذا القلق إلَّا بالتغلُّب على هذه الوحدة والوحشة والعزلة من خلال العلاقة الودودة مع الخالق، ومن خلال العلاقة الودودة والحميمة مع باقي البشر، أي من خلال الحب، وليس هنالك حب أكبر من الحب بين رجل وامرأة، لذا كانت الزَّوجيّة مصدراً للسكن النفسي للبشر رجالاً ونساءً.

 

ومع اكتمال البلوغ الجسمي والعقلي والعاطفي في مرحلة المراهقة تبحث الأنثى عن القرب العاطفي الدافئ -أي الحِمَّة intimacy- من خلال علاقة حب وارتباط بذكر، وتكون الحِمَّةُ هذه أهم لديها من إشباع الرَّغبة الجنسيَّة، لكن الذكر في هذه المرحلة تتغلَّب لديه الرّغبة الجنسيَّة على الرّغبة في القرب العاطفي الدافئ (الحِمَّة) فيكون الجنس لديه هو المطلب الأهم في علاقته بالأنثى، وكلّما تقدما في العمر اندمج الحب بالجنس أكثر لدى كل من الذكر والأنثى، والزَّواج هي العلاقة المثلى لإشباع الحاجتين معاً.

 

ويبقى تحقيق الارتباط العاطفي مع شخص من الجنس الآخر المهمة الكبرى للمرحلة العمريّة من سن عشرين إلى ثلاثين سنة في هذا العصر، وإذا ما أخفقت المرأة في ذلك، ولم تقم العلاقة المرغوبة، أي لم تتزوَّج الزّواج الّذي يحقِّق لها هذه العلاقة بالشكل الكافي، فإنَّها في مجتمعاتنا تحسّ بالقلق على المستقبل وبالخشية من الاضطرار إلى قضاء العمر كلّه في وحدة وعزلة نفسيتين، ذلك أنّ فرص الزَّواج من فتى الأحلام تقلُّ كلَّما تقدمت في العمر؛ فقد يتقدم لها رجال سبق لهم الزَّواج أو هم أكبر منها بكثير. وهذا القلق من أن يفوتها القطار، والقلق المتولِّد عن إحساسها بالوحدة وبالحاجة إلى الارتباط العاطفي بإنسان آخر، قد يدفعانها إلى البحث المكثَّف عن زوج ممّا قد يوقعها أحياناً ضحيّة لشخص غير جاد في العلاقة إنَّما هو طامع بمتعة دون التزامات.

 

والمشكلة أكبر في واقعنا الحالي، لأنَّ كثير من شبابنا لا يجد المال الكافي للزَّواج في ظلّ تقاليد تعسّر الزّواج ولا تيسره، أمّا من لديه المال فإنَّ الضغط الاجتماعي يمنعه في كثير من الأحيان من الزَّواج بامرأة ثانية، وهذا وذاك يجعل المرأة في سوق الزَّواج معروضة بأكثر ممّا هي مطلوبة، وهذا يؤثّر على فرص الزّواج بالنسبة للمطلَّقة والأرملة والعانس.

 

ومع تقدّم المرأة في العمر يشتد قلقها وإحساسها بالوحدة، وعندها يكون عليها اتخاذ قرار حاسم، إمّا القبول بزوج أقل مستوى من فتى الأحلام، أو اليأس من الزّواج والإعراض عنه والقبول بحياة الوحدة. وهنا تظهر لدى النّساء بعض المواقف والتصرّفات التّعويضيّة.

بعض النساء يتخذن موقفاً رافضاً وناقداً للزّواج ويبحثن عن عيوبه ومشكلاته في محاولة لتعزية أنفسهن عن الحرمان الّذي يعانين منه، وذلك على مبدأ أنّ العنب الّذي لا تطاله أيدينا يكون عنباً حامضاً غير صالح للأكل على كلّ حال.

 

وكثير من النساء في عصرنا يعوِّضن عن ذلك من خلال تركيز جهودهن في حياتهنّ المهنيّة والعلميّة فيسعين للنجاح فيها وبلوغ المراتب العليا.

 

وبعض النساء يعوضن من خلال المزيد من العبادة والالتزام الديني والدّعوة إلى الدين.

 

وقلّة قليلة في مجتمعاتنا يعوضن من خلال الانهماك في قضايا عامّة أو أعمال خيرية.

 

والرّجل كالمرأة من حيث حاجته للحب والحِمَّةِ، لكن إحساس الرّجل أنَّه يستطيع الزّواج متى شاء يخفّف من قلقه، بينما إحساس المرأة أنَّ الأمر ليس تحت سيطرتها يزيد من قلقها، والإحساس بالتّحكُّم بالموقف يجعل الرّجل أكثر تحمُّلاً للوحدة وبخاصة أنَّ الرّجل يرى الزّواج جزءاً من حياته إضافة إلى المهنة، لكن المرأة ترى الزّواج مهنة وحياة خاصّة في الوقت نفسه. وبقاء بعض الرِّجال دون زواج لعمر متقدّم غالباً ما يكون قراراً منهم لأنّهم يخشون الالتزام في علاقة دائمة وذلك لعوامل وخبرات نفسيّة ولّدت لديهم هذه الخشية من الالتزام، أمّا تأخّر المرأة في الزّواج فقد يكون لهذا السبب، لكن كثيراً ما يكون سببه عدم تقدّم الرّجل المناسب، وقد يكون السبب أنّ شروطها الّتي تريدها في زوج المستقبل مبالغاً فيها ويمكن أن تبالغ المرأة في هذه الشروط لتبرِّر لنفسها هروبها من الالتزام بعلاقة دائمة.

 

الرِّجال ينظرون إلى المطلَّقة على أنَّها امرأة نشطة جنسيَّاً وبعضهم يطمع فيها، بينما الأرملة تبدو لهم أقل من هذه الناحية، وهذا هو مجرَّد شعور لديهم ربّما هو ناتج عن تذكّر الموت الّذي يحدث، إذ الأرملة امرأة مات زوجها وربّما كان لديها أيتام، لكن الحقيقة أنَّ المطلَّقة والأرملة والعانس كلهنّ عادة نساء طبيعيات، لكن ظروف الحياة وأقدارها وضعت أكثرهنَّ في هذه المواقف دون عيب فيهنّ.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة