- الرئيسية
- مقالات
- نساء ورجال
- بخل الأزواج وأنماط الشخصية ومشاعر الزوجة نحو الزوج البخيل
بخل الأزواج وأنماط الشخصية ومشاعر الزوجة نحو الزوج البخيل
بخل الأزواج وأنماط الشخصية
ومشاعر الزوجة نحو الزوج البخيل
هنالك عوامل نفسيّة مؤكَّدة كامنة وراء بخل بعض الأزواج وتقتيرهم على زوجاتهم وأطفالهم رغم أنّهم قادرون على تمتيع أسرهم بمستوىً معيشي أفضل. وهذه العوامل تُؤثِّر في الميل الفطري الطّبيعي لدى الإنسان للحرص على ما ينفعه، فتجعل هذا الميل يُعبِّر عن نفسه بشكل مبالغ فيه يصل حدّ البخل والشّح ﴿وَأُحْضِرَتْ الْأَنفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: 128]، كما أنّها في أحيان أخرى تُؤثِّر على قدرة الإنسان على حبّ الآخرين وعلى العطاء وعدم التّمحوّر الدّائم حول ذاته، فتضعف هذه القدرة وتجعل الإنسان يبدي أنانيّة مفرطة تزيد عن الطّبيعي لتبلغ حدّ المرض.
من الشّخصيّات المضطربة الّتي تتميّز بالحرص والتّدبير الزّائد الّذي قد يصل حدّ البخل الشّخصيّة القهريّة الوسواسيّة، حيث يميل الشّخص إلى النِّظام الزّائد في حياته وإلى العقلانيّة وضعف العواطف، وإلى الجمود على قواعد اختارها لنفسه، وإلى العناد والميل للتّحكّم بمن حوله لاعتقاده أنّه يعرف كيف يجب أن تكون الأمور معرفة أفضل منهم، وهو يحسب حساب المستقبل بشكل قلق أكثر ممّا ينبغي، فلا ينفق إلّا ما يراه ضروريّاً لأنّه دائماً في خوفٍ من الأيّام السّوداء، وكلّما زادت مدخراته زادت وساوسه ومخاوفه من احتمالات المصائب، وبالتّالي فهو لا يصل إلى حدِّ الطّمأنينة الكاملة أبداً....
مثل هذا الزّوج يقتر على أسرته، وبخاصّة أنّنا نعيش في عصر يتميّز بالمبالغة في الإنفاق ومواكبة كلّ اختراعٍ أو سلعةٍ جديدةٍ.
أمّا الزّوج الزَّوَري (البارانوي) فإنّه يتعامل مع الآخرين بعقله لا بعواطفه، ولا يهتمّ للمشاعر، بل يعتبرها مظهراً للضّعف، لذا فهو ينفق على أسرته فيما يراه هو ضروريّاً، ولا يهتمّ كثيراً لوجهة نظرهم وحرصهم على بعض المتع والكماليّات الّتي يتأثَّرون عندما يرونها عند غيرهم، فيكون بخيلاً عليهم في أشياء، وسخيّاً في أشياء، لكنّه لا يرضيهم إذ يحسّون بالحرمان من أشياء كثيرة يرغبون فيها، وهو قادر على تأمينها لهم، إنّه يقيس الأمور بمقياسه هو، ولا يضع نفسه في مكانهم، ولا يحاول أن يرى الدّنيا كما يرونها، فيكون في بيته أشبه برجلٍ عسكريٍّ يأمر وينهى ولا يلين للعواطف.
ثمّ هنالك الشّخصيّة النّرجسيّة غير النّاضجة الّتي يُفكِّر صاحبها بنفسه فحسب، ويريد دائماً أن يأخذ، ولا يرى أنّ عليه أن يعطي، فهو حتّى إن أحبّ وتزوّج فإنّه يرى زوجته كائناً عليه أن يُلبِّيَ طلباته هو، دون أن يحرص بالمقابل على أن يشبع حاجاتها ومتطلباتها هي، إنّه لا يرى في الدّنيا احتياجات إلّا احتياجات نفسه... مثل هذا الزّوج يكون متمحوِّراً حول نفسه وقليل القدرة على العطاء، لذا فهو قد يُنفِق على نفسه ورغباته الكثير ويترك القليل ممّا يتبقّى لأسرته، فيكون بذلك زوجاً بخيلاً بخلاً نابعاً من أنانيّة كأنانيّة الأطفال، أمّا إن كانت الزّوجة هي النّرجسيّة فسيكون بخلها في الحب والحنان الّذي يتوقّعه منها زوجها وأطفالها، ولذلك حكاية أخرى.
وأسوأ الأزواج الزّوج المتمرِّد على القيم والأخلاق والأعراف والأديان، صاحب الشّخصيّة الفاسدة (السيكوباثيّة) إذ ليس لديه ضمير ولا شعور بالمسؤوليّة، ولا يتعاطف مع غيره ولا حتّى أطفاله، فلا يشعر بشعورهم، إنّه متمحوِّر حول نفسه وحول شهواته ونزواته يريد إشباعها من حلال أو حرام، ولا يُبالي بمسؤوليّته تجاه زوجته وأطفاله أبداً، إنّه يجمع بين النّرجسيّة وانعدام الأخلاق والضّمير، ومثل هذا الزّوج ينفق على ملذاته دون حساب، بل قد يغرق في الدّين من أجل شهواته، ولا يبالي أن يجوع أطفاله وأن تعرى زوجته، إنّه لا يشعر بالخزي إذ ينطلق وراء النّزوات مخلِّفاً وراءه عياله في الفاقة والحرمان، إنّه بخيل لأنّه قلّما يكون لديه ما يكفي لنزواته وعياله في آنٍ واحدٍ، وكثيراً ما يكون مدمناً أو مقامراً ممّا يتطلّب منه الكثير الكثير من المال، فتراه يُفضِّل أن يُنفِق ما يأتيه على إدمانه وقماره على أن يُؤَمِّن حاجات أسرته.
والجدير بالذّكر أنّ البخل وما ينتج عنه من تكديس للمال سلوك يُعزِّز نفسه كما يُقال في علم النّفس، حيث يؤدِّي البخل والتّقتير إلى بقاء ثمرة عمل الإنسان ودخله من أيّ مصدر إضافي، يبقى مجسّداً ملموساً يشبع رغبته في التّملّك، ويعطيه طمأنينة زائفة بالنّسبة للمستقبل وبالنّسبة لمكانته بين النّاس، والإنسان مفطور على أن يكرّر السّلوك الّذي يأتيه بالمتعة أو يريحه من المعاناة، والبخل يفعل ذلك فيكون سلوكاً يعزِّز نفسه، أي يُولِّد الدّافع في النّفس إلى ممارسته أكثر فأكثر، وهذا يختلف عن التّدبير حيث يوفِّر الإنسان بعض دخله للمستقبل أو لتأمين احتياجات هامّة كشراء منزل أو أرض تعود بالنّفع على الأسرة.
إنّ البخيل يجد لذّة وراحة في إمساك المال وعدم إنفاقه، وفي مراكمته وزيادة مبالغه، ولا يوفِّره من المصروف اليومي بغية تأمين احتياج للأسرة على المدى البعيد، إذ عندها لا يكون بخلاً أبداً إنّما يكون حكمة وتعقّلاً، ويكون دافعه الحرص على الأسرة والرّغبة في تأمين احتياجاتها كلِّها، إنّه شكل آخر للعطاء والإيثار بعكس البخل والشّح.
والبخيل قد يؤمن أنّ المال هو كلّ شيء في الحياة، وأنّ من لا يملك فلساً لا يساوي فلساً، وأنّ قيمة المرء وقدره ومكانته تتحدّد من خلال ما يملك من مال أو عقار، وهكذا كلّما زاد مخزونه من المال زاد بخلاً وشحّاً وتقتيراً، لأنّ بخله يأتيه بمكافأة فوريّة من الشّعور بالعلو في المكانة والقدر، وهذا ممّا لا يصل فيه الإنسان حدّ الشّبع والاكتفاء.
وبالمقابل إنّ إنفاق كلّ ما يأتي وعدم التّوفير رغم أنّ الدّخل جيّد ويتمّ إنفاقه كلّه على الأساسيّات والكماليّات، هذا الإنفاق لكلّ شيء يُثَبِّط همّة الإنسان عن بذل أيّ جهدٍ إضافي من أجل تحسين وضعه ودخله، إذ يحسّ أنّه لا جدوى من ذلك، فهو كلّما أتى بالمزيد من المال ذهب ونفق، وهذه حالة معاكسة لحالة البخل، ذلك السّلوك الّذي يعزّز نفسه.
إنّ الموقف الأمثل من النّاحية النّفسيّة موقف التّوسط الّذي يحرص فيه من يستطيع التّوفير على أن يُوفِّر دون أن يصل إلى حدّ البخل والتّقتير، ولا يبسِط يده كلّ البسط فيعيش قلقاً من المستقبل، فاقداً للحماس والدّافعيّة إلى بذل المزيد من الجهد لزيادة دخله.
تعليقات
لا توجد تعليقات بعد
تعليقك هنا