- الرئيسية
- مقالات
- نساء ورجال
- التعدي على مال الزوجات
التعدي على مال الزوجات
التعدي على مال الزوجات
إنَّ ممّا نُباهي به الدّنيا أنَّ المرأة عندنا نحن المسلمين لا تُعطي المهر إذا تزوّجت، بل يُعطى إليها المهر تقديراً لها وتَقرُّباً منها... وهذا الإعزاز للمرأة يجعلها جذابّةً أكثر للرّجل الّذي يحبُّ أن يفوزَ بما له قيمة، ودفعه للمهر يجعله يُحِسُّ بقيمة المرأة الّتي تزوّجها، وبأنَّه فاز بامرأةٍ يَخطب وِدَّها ويُقدِّم لها المال للفوز بها شريكة الحياة. أمّا عندما يتسلَّط رجلٌ على زوجته ويَستضعفها ويَستولي على راتبها الشّهري أو أملاكها أو مُقتَنَياتها فإنَّ المشاعر تختلف كثيراً، إذ لا احترام لمثل هذه الزّوجة في نفس زوجها الّذي يَستغلّها وهو يَستشعِر ضعفها وعجزها عن حماية نفسها، وهي تَشعر بالظّلم ممّن يَفترِض أن يكون حاميها والمُدافع عنها.
وعندما يتجرّأ الإنسان على ظلم الآخرين والتّعدِّي على حقوقهم، قد يُفيد تذكيره بالله والآخرة ووعظه، لكن في الغالب يحتاج الأمر إلى الضّغط وتغيير توازن القوى في العائلة، لأنَّ البعض أحياناً يَخاف لكنَّه لا يَستحي.. والمرأة المظلومة هي في الغالب امرأةٌ ضعيفةً تركت المَجال لزوجها كي يعتدي على حقوقها دون أن تَقِف في وجهه وقفةً حقيقيّةً، بل ربّما اعترضت اعتراضَ الضّعيف المُستسلِم للقوي المُعتدي، اعتراضاً يُطمئِن المُعتدي إلى أنَّه أمام ضحيّةٍ لا يخشى منها أبداً، فيتمادى في عدوانه وهو مطمئنٌ آمِنٌ.
صحيحٍ أنَّ الأسرة مؤسّسةٌ اجتماعيّةٌ لها وجهٌ اقتصاديٌّ، لكن الله شرّع لنا في ديننا كيف نُنَظِّم هذا الجانب في أُسَرِنا؛ فالعائلة المُسلمة قائمةٌ على فصل الممتلكات وفَصل الذِّمم بين الزّوجين، إذ كلٌّ منهما مُستقلٌّ ماليّاً عن الآخر استقلالاً تامّاً. والرَّجل مُكلَّفٌ ومَسؤولٌ عن تأمين الاحتياجات الماديّة لأسرته كاملةً حتّى لو كانت زوجته تعمل أو كانت غنيّةً ذات أملاكٍ... وعلى أساس هذا التّكليف بالإنفاق وليس على أساس احتياج المرأة إلى الرّجل ماليّاً كانت القوامة في الأسرة المسلمة للرّجل إضافةً إلى ما فَضَّل الله (أي زاد الله في عطائه) الرِّجال على النِّساء في الصِّفات المُعيّنة على القوامة.
والمرأة ليست مُكلَّفةً بأيِّ مُساهمةٍ ماليّةٍ في الأسرة المسلمة حتّى لو كان الزّوج فقيراً وغير قادرٍ على تأمين احتياجات الأسرة كاملةً. بل حتّى الخدمة وعمل البيت من طبخٍ وتنظيفٍ ورعايةٍ للأطفال، بل وإرضاعٍ لوليدها، كلَّها أعمالٌ تقوم بها مُتطوِّعة وبذلك تُساهم في تأمين احتياجات الأسرة من خلال التّوفير الّذي يُحقِّقه عملها في بيت زوجها، كلُّ ذلك تطوّعٌ وعطاءٌ منها يجب أن يكون برضاها وطِيْبِ نفسها، وتستحقُّ عليه امتنانُ الزّوج وشكره، إذ على الزّوج دائماً أن يتذكَّر أنَّ القَوامة الّتي أُعطيَت له شيءٌ كبيرٌ وامتيازٌ عظيمٌ لَم يستحقّه بمجرَّد الذّكورة، بل أيضاً بتحملِّه للمسؤوليّة الماليّة للأسرة كاملةً بما في ذلك تأمين مَن يَخدم في البيت أو مَن يُرضِع الصّغار، لكن الحياة الزّوجيّة لا تقوم على الحقوق المحدّدة والمُشاححة فيها، بل هي قائمةٌ على الفَضل بين الزّوجين وقيام كلٌّ منهما بإعطاء الآخر أكثر ممّا يجب له في الشّرع، فتكون الحياة مليئةً بالتّهادي والتّطوّع، لكن بِطِيْبِ نفسٍ. أمّا أن يستولي القويُّ على مالِ الضّعيفِ فهذا ظلمٌ وليس مِن الإسلام -دينُ العَدلِ- في شيء.
المرأة المظلومة كثيراً ما تتطلَّع إلى الآخرين ليطالبوا الزّوج بالعَدل معها وعدم الاعتداء على مالها، لكن التّجربة تُثبِت أنَّه ما لم تتولّى صاحبة الحقِّ أَمْرَ المطالبة بحقِّها والدِّفاع عنه فإنَّ الزّوج الّذي قد يرى زوجته مُلْكَاً مِن ممتلكاته هي وما تأتي به مِن عملها أو تَرثه مِن أهلها، هذا الزّوج لا يستجيب لنداءات المُتدخِّلين الأغراب، إذ المال مالها وإذا شاءت فلتُطالبه هي. بالطّبع ردّه هذا عادةً يَنطوي على التّهديد لها بالضّرب أو الطّلاق أو غير ذلك ممّا تَخاف.
لذا لا بُدَّ للزّوجة في هذه الحال مِن أن تقتنع أوّلاً مِن أنَّها على حقٍّ في مُطالبتها أن لا يمسَّ زوجها مُرَتَبها أو مالها إلّا إن طابَت هي نفساً عن شيءٍ مِن ذلك، إنَّ إيمانها أنَّ ما تُطالب به هو حقٌّ وهو العَدلُ يَجعلها أقوى وأثبت، ثمَّ لا بُدَّ مِن تبيين ذلك للزّوج، حيث قد يكون هنالك من الأزواج مَن يَظنُّ أنَّ له الحقَّ في مُرتَّب زوجته طالما أنَّها تَعمل، ولا يَحقُّ لها الخروج مِن البيت إلّا بإذنه، وطالما أنَّ عملها يُؤثِّر على عملها في البيت، إلى غير ذلك مِن مُبرِّراتٍ واهيةٍ لا بُدَّ في البداية مِن مُناقشتها مع الزّوج، والتّأكيد له أنَّ ما يَفعله ظلمٌ وأكلٌ لمال الزّوجة بالحرام، ويجب أن تقوم الزّوجة بمحاولةِ إقناعه هذه بنفسها مُتَحَيِّنَةً وقتاً هما فيه هادئان.
وهي بالتّأكيد على حقٍّ وقضيَّتها عادلة، لكن يجب إفهام الزّوج ذلك وعدم الخضوع لمُبرِّراته الّتي هي مِن قَبِيلِ الابتزاز، إذ في الأصل لا حقّ له في شيءٍ من مالها ولا جُهدها إلّا بِطِيْبِ نفسٍ منها، ولو منعها مِن العمل وجلست في البيت فَلن يُعوِّضه ذلك شيءٌ، والحقيقة أنَّ هؤلاء الأزواج يرفضون السّماح لزوجاتهم أن يَترُكْنَ العمل من أجل التّفرُّغ في البيت لدورهنَّ التّربويِّ مَثَلاً، لأنَّ أحدهم قد تزوَّج طبيبةً أو مُدرِّسةً أو غير ذلك، ولم يتزوّج سيِّدةَ بيتٍ تستهلك دون أن تُنتِج، لقد تزوّج بقرةً حلوباً، وتزوّج دجاجةً تَبيضُ له الذّهب آخر كلّ شهرٍ، ولن يَسمَح لها أن تَجلس في البيت للتّفرُّغ لتربية الأطفال إلّا إن هي احتفظت بذهبها لنفسها وأصرَّت على ذلك عندها يكون منه موقفٌ (علي وعلى أعدائي)، إذ ما لم يَتقاضى راتبها هو فسيقول إنَّ أولادها في حاجةٍ إلى حضورها الدّائم في البيت.
صحيحٌ أنَّ خروج المرأة مِن بيتِ زوجها يحتاج إلى إذنه، لكن بما أنَّ عمل المرأة شاع، وبما أنَّ ملايين الإناث يَدْرسْنَ المهن المُختلفة، فلا بُدَّ مِن التّفاهم مع الزّوج على الخروج إلى العمل بشكلٍ مُستَقِلٍّ عن راتبها ودون الرّضوخ إلى الابتزاز وطلب التّعويض بَدَل هذا الإذن إلّا بطِيْبِ نفسٍ مِن الزّوجة، والأفضل أن يكون مالاً تُنفقه بنفسها على بعض احتياجات الأسرة، إذ أكثر مَن يأخُذ راتب زوجته يأخذه لا لأنَّ دخله هو لا يكفي للصّرف على العائلة، بل يأخذه ليكون له ادخاراً يَملكه هو، أو ليبني بيتاً له هو، أو ليُنفِق على أهله ويُكرمهم بالهدايا الكثيرة مِن مالِ زوجته.
في الغَرب وما لم يَكُن هنالك اتّفاقٌ على فصل الممتلكات منذ البداية فإنَّ الادِّخار وشراءِ بيتٍ ولو كان باسم الزّوج يكون نصيب الزّوجة فيه مضموناً، إذ في حال الطّلاق تأخذ الزّوجة نصف أملاك الزّوج، ويأخُذ هو نصف أملاكها.
أمّا في البلاد الإسلاميّة فإنَّ المُطلَّقة لا حقَّ لها إلّا في مُؤخَّر الصّداق والمُتعة الّتي تُعطى لها بحكم القاضي، لكن البيت الّذي بناه الزّوج بمُرَتَبِها فيحتفظ به وربّما ليُقيم فيه مع زوجةٍ ثانية.
إنَّ تعدِّي الزّوج على مالِ الزّوجة ليس مَرضاً نَفسيّاً نبحث له عن علاجٍ، إنّما هو سلوكٌ خاطئٌ يحتاج إلى وضع حدٍّ له، ويحتاج إلى عدم تشجيعه عليه، إذ عندما نتحمّله منه وينال الزّوج ثمرة سلوكه الخاطئ، فإنّنا نكون بذلك مُشجِّعين له رغم أنّنا لا نُريد ذلك.
كلّ أنواع السّلوك الخاطئ علاجها في وضع الحدود لها والوقوف في وجهِ مَن يرتكبها، وتحميله العواقب لسلوكه الخاطئ. ووضع الحدِّ لزوجٍ كهذا فيه مُغامرة بعض الشّيء، إذ قد يلجأ إلى الطّلاق وهذا عادة احتمالٌ ضئيلٌ، لكنّه قائمٌ، والزّوج لن يُغيِّر سلوكه الجائر هذا إلّا إن لَمَسَ مِن الزّوجة التّصميم والحَزم، وأنّها لن تتراجع حتّى لو أدّى ذلك إلى طلاقها، وكما قلتُ مِن قبل، هؤلاء الأزواج المُتعدُّون غالباً مِن النّوع الّذي يخاف لكنّه لا يستحي، لذا إن هو لَمسَ الحَزم والتّصميم من الزّوجة أعاد التّفكير وتغيَّر خضوعاً لضغطها أكثر منه نبلاً منه وحُسن خُلقٍ، المهم النّتيجة ولا تهمُّنا دوافعه؛ إذ عندما تُطالب المرأة زوجها بالتّوقُّف عن التّعدِّي عليها وتَنجح في ذلك فإنّها تَشعر بالرِّضا الكبير عن نفسها وتغمرها السّعادة، وحتّى لو أدّى ذلك إلى طلاقها، فإنَّ احترامها لنفسها وتَغلُّبها على ضعفها يُعوِّضانها عمّا خسِرته، إذ الزّوجة المُستسلمة للظّلم لا ترضى عن نفسها ولا تَستشعِر بالاحترام لذاتها كما يجب.
بالطّبع لو اختارت زوجةٌ الاستسلام والبقاء تحت الظّلم إيثاراً للسّلامة فهذا شأنها وقرارها، لكن المُهم أن تَفهم أنَّ المسؤول عنه إنّما هو ضعفها وخوفها وعجزها.
قديماً قال خالد بن الوليد رضي الله عنه: "اطلبوا الموت تُوهَب لكم الحياة"، وأنا أقولُ لكلِّ مظلومٍ على وجه الأرض مِثْلَ قوله، والتّجربة علّمتني أنَّ مَن يَنهض لحماية نفسه وحقوقه سواء في الزّواج أو غيره من العلاقات يَربح على الغالب، وأوّلُ شيءٍ يَربحه هو نفسه، فَلِمَ الرّعب والاستسلام.
تعليقات
لا توجد تعليقات بعد
تعليقك هنا