- الرئيسية
- مقالات
- نساء ورجال
- ماضي الزوجة
ماضي الزوجة
ماضي الزوجة
إنَّ انجذاب الجنسين إلى بعضهما بعضاً شيٌ فطريٌّ ومُتوَقَّعٌ من كلِّ إنسانٍ طبيعيٍّ في النِّصف الثّاني من مرحلة المُراهقة ومَدى الحياة بعد ذلك.
وهذا الانجذاب هو انجذابٌ من أجل السّكن النّفسي والطّمأنينة الّتي يَستَمدُّها كلٌّ منهما من الآخر وإن كانت الرّغبة الجنسيّة تُقوِّي هذا الانجذاب وبخاصّة في مرحلة الشّباب.
ومع التّبدُّل الحاصل في العادات والتّقاليد في أغلب مُجتمعاتنا، فإنَّه ليس مُستغرباً أن يكون لأحدِ الزّوجين تجربة عاطفيّة أُخرى قبل الزّواج، وهذه التّجربة كثيراً ما تَقتَصِر على إعجاب الزّوجة مثلاً بفتىً التقت به أو كان جاراً لها فصارت تُديم التّفكير به وتَحلُم بالزّواج منه وكذلك بالنِّسبة للزّوج، وقَد تَبلُغ هذه التّجربة العاطفيّة حدّاً أبعدَ من هذا وتكون مشروع زواجٍ يَخفق لأسبابٍ خارجة عن إرادة الفتى والفتاة.
ومع أنَّ الإسلام -وهو دينُنا الّذي يجب أن نستمدَّ منه القِيَم والأحكام والمعايير-، الإسلام حرّم الزِّنا لكنَّه لَم يُحرِّم الحبَّ ولَم يَجعَل المَشاعر القلبيّة خطيئةً، ومع أنَّه أيضاً يُعطي الأهميّة لواقع الإنسان أكثر من ماضيه، فما دام الإنسان مُستقيماً فلا أهميّةَ لأيَّةِ أخطاءٍ وقع فيها في الماضي وتاب منها، ومع أنَّ الإسلام لا يرى المرأة شيئاً إذا استعمله رجلٌ صار بِحُكِم الأدوات المستعملة الّتي تَفقد قَدَراً كبيراً من قيمتها، معَ كلِّ هذا فإنَّ القِيَم الّتي سادت مُجتمعاتنا في القرون الأخيرة غرسَت في كثيرٍ من الرِّجال الأَنَفَةَ من الارتباطِ بامرأةٍ قد حرَّك قلبَها رجلٌ آخر أو قَد مَسَّ جسدها رجلٌ آخر ولو كان ذلك بالحلال، فكيف إن كان في نزوة شبابٍ لَم يَنضُج بعد؟ إنَّ الرَّجل في هذه الحال يَشعُر أنَّه ارتبط بما فَضُلَ وزاد عن رجلٍ آخرٍ، كما إنَّ نظرةَ هؤلاء الرِّجال إلى أيّةِ تجربةٍ جنسيّةٍ مع المرأة لا ترى فيها إلّا اعتداءً من الرّجل على المرأة وتَغلُّباً منه عليها وانتصاراً له عليها وعلى أُسرتها، حيث نالَ منها دون زواجٍ ما نَالَ.
المرأة عادة غافلة عن طريقةِ التّفكير هذه لدى هؤلاء الرِّجال، وهي عندما تتورَّط في علاقةٍ عاطفيّةٍ تَبحَث بالدَّرجة الأولى عن الحبِّ والحنان والقُربِ العاطفيِّ الدّافئ وبخاصّة في بداية شبابها وقبل زواجها.
إنَّ بقايا القِيَم هذه تَجعل من المرأة الّتي سبقَ لها الارتباط العاطفيّ بأحدٍ امرأةً مُستعملةً بمثابة ثوبٍ تَلَطَّخَ، لذا إن عُرِف ذلك في المُجتمع كان واجبُ أهلها غسلَ عارهم أو سترها بتزويجها أيَّة زيجةٍ تتيسَّر... وما زالت بقايا هذه القِيَم البالية في نفوسِ الكثير من رجالنا.
لذا من الأفضل ألّا تُحَدِّث الزّوجة زوجها عن أيَّةِ تجربةٍ سابقةٍ إلّا إن كانت تَجربةً مَعروفةً لِمَن حولها وكان المُتوقَّع للزّوج أن يَعلَمَ بها من غيرِها. إذ إنَّ الكثيرَ من الأزواج سينزعجون من هذه التّجربة وسَيَقُلُّ احترامهم لزوجاتهم، وسيشعرون بالدّونيّة أمام الرّجل الّذي عَرَفَ زوجتهم قبل أن يتزوّجوها.
إنَّ شهرَ العسلِ الّذي قد يطول إلى سنةٍ أو سنتين يتميَّز عادةً بالحبِّ الرّومانسي الّذي يَميل فيه الزّوجان أو الحبيبان إلى الإفضاء إلى الطّرف الآخر بكلِّ شيءٍ عنهما، لكن يجب الَحَذَر من الإفضاء والحديث عن التّجارب السّابقة للزّواج، وهذا يَنطَبِق على الزّوج وعلى الزّوجة، فالبعض رجلاً كان أو امرأةً لديه مَيلٌ زائدٌ للغيرةِ والوسوسةِ والشّكِّ، ولن ينسى قصّةَ هذه العلاقة السّابقة، وستبقى في نظره مصدرَ تهديدٍ وخوفٍ، حيث يخشى الزّوج خيانةَ زوجته له إن اتّصل بها الحبيب الأوّل، وتخشى الزّوجة مثل ذلك من زوجها، ويخشى كلٌ منهما أن يكون موضع مُقارنة مع الحبيب الأوّل.
صحيحٌ أنَّ التّقاليد تُقلِّل من أهميّةِ أخطاءِ الرّجلِ في هذا المَجال ولا ترى ماضيه لوثةً ولطخةً، إنَّما قد ترى ذلك دليل قوّة ورجولة، بينما على العكس تَحطُّ من قيمةِ المرأة ذاتِ الماضي، لكن الحكمة تقتضي حتّى من الزّوج أن يَكتُم ماضيه خشية أن يُثير ذلك غيرةً مُزعجةً لدى زوجته.
إنَّ الرَّجل والمرأة كلاهما إنسانٌ لا أداة تُستَعمل وتُصبِح قليلةَ القِيمة بعد ذلك، فحتّى لو اُغتُصِبَت امرأةٌ وحَمَلَت كما حَصَلَ لأخواتنا في البوسنة فإنَّ ذلك يجب ألّا يُقلِّل قَدرِها ولا جاذبيَّتها، لكن حتّى في البوسنة رَفَضَ كثيرٌ من الرِّجال العودة إلى زوجاتهم اللّواتي تَعَرَّضنَ للاغتصاب مع أنَّهنَّ لا ذنبَ لهُنَّ في ذلك.
إنَّها قِيَمٌ خاطئةٌ تتنافى مع ديننا الحق، يجب أن تُصحَّح، وريثما تُصحَّح فإنَّ الحكمةَ تَقتَضي من الزَوجين كتمان الماضي وتناسيه؛ والكذب في هذا المَجال جائزٌ، لأنَّه من أجلِ الحِفاظ على العلاقة النّاجحة في الزّواج الذّي تمَّ بكلمةِ الله ووفقَ شَرعه وسُنَّته أباح الإسلام الكذب بين الزوجين في الأمور التي يمكن أن تدمر العلاقة بينهما.
تعليقات
لا توجد تعليقات بعد
تعليقك هنا